الأحد، 4 مارس 2012

(( يا بني كُن صديقي ))






(( يا بني كُن صديقي ))




في عام 2005 لا أزال اتذكر مكالمتي لصديق العمر سلطان الرويلي ,, تلك المكالمة الوداعيه لصديقي سلطان والتي كنت أبكي فيها وكأنني سأفقد سلطان الى الأبد ,, سلطان ذلك الصديق الذي جمعتني به صلة القرابة قبل أن تجمعني به صداقة الطفولة .
لم أنسى ما قاله لي سلطان في ذلك المساء الذي كان سوف يغادر فيه بلادنا معلناُ وصوله الى بلد الخمسين ولاية ,, الولايات المتحدة الأمريكيه لأكمال دراسته هناك ,, قال لي سلطان بالحرف (( مشكلتك يا عقيل أنك ما تشوف غيري صديق ,, لو فتحت عينك أكثر راح تلقى مثلي كثير من اللي راح تسعد بصداقتهم ,, بس أنت حاول ))
غادر سلطان هذه البلاد ,, تاركاُ خلفه تلك النصيحة التي لم ألقي لها بال ,, لأنني لم أكن أتوقع بأنني سوف أجد صديق ورجل بحجم روعة ذلك السلطان .




بعد شهور و في قسم الحاسب الآلي في الكلية ,, تواجدت أمام مختبر الحاسب الآلي قبيل حضور المدرس بدقائق ,, وكذلك فعل ما يقارب عشرون طالب مستجد .

كنت في تلك الفترة أعتقد بأنني لست بحاجة للتعرف على أصدقاء جدد ,, لأنني كنت أؤمن بأنني أن وجدت الزميل المحترم والمناسب ,, فأنني لن أجد ذلك الصديق الذي يعوض رحيل سلطان من حياتي مؤقتاً .

أمام قاعة الحاسب الآلي لاحظت نظرات شاب يبدو من مظهره بأنه ملتزم ,, كان ينظر إلي بين كل فينة وأخرى ,, لم تعجبني تلك النظرات ,, وبيني وبينكم سبب عدم إعجابي بتلك النظرات هي اعتقادي بأن ذلك الشاب الملتزم إنسان نكدي ,, ومن الفئة التي تعشق النصح بشكل مبالغ فيه ,, ومن الفئة التي تعتبر كل شيء محرم وغير جائز .

أعذرني يا بني على كلماتي ووصفي ,, فوالدك في تلك الأيام كان يمتلك من الغباء والعنصرية حينها ما يكفي لسد جوع حشد من الفارغين عقلياُ .

في تلك الأيام كان ذلك الشاب عند مروره بي يقوم بالسلام علي ,, وكأنه يعلن بأنه يريد الحديث معي ,, لذلك كنت اكتفي برد السلام عليه بصوت خفيف ,, ومن ثم المغادرة إلى أي جهة بعيدة عنه ,, لأني لست على استعداد للتعمق في معرفته ,, أو للسماح له بالتعمق في معرفتي .

بعد مضي أسابيع على تواجدي في تلك الكلية ,, قمت بالتعرف على بعض الزملاء المستجدين ,, وكنت أقضي فترة الأستراحه الصباحية بين المحاضرات بالإفطار معهم في كافتيريا الكلية .

في أحد الأيام ذهبت إلى الكافتيريا ,, وفوجئت بأن ذلك الشاب المتلزم متواجد مع الزملاء ,, أخفيت امتعاضي من تواجده ,, سلمت عليه ,, وجلست أتناول إفطاري معهم .

كان ذلك الشاب يناقش احد أصدقائي في احد المواضيع ,, كنت مجرد مستمع ,, لأنني لا أود الخوض مع ذلك الملتزم بأي نقاش .

فوجئت عندما كنت أستمع إلى كلمات ذلك الملتزم وأرائه وتحليلاته للأمور ,, كانت كلماته وانطباعاته نفس الذي يدور في مخيلتي ,, كانت نسخ كربونية ,, وكأنه كان يقوم بقراء ما بداخل عقلي ويقوم باإلقاءه إثناء نقاشه .
ذلك النقاش وتلك الانطباعات التي سمعتها من ذلك الملتزم جعلتني أفتح قلبي له وأرحب بوجوده في حياتي .

بعد عدة اجتماعات دارت في أيام وأسابيع ذلك الفصل الدراسي ,, تعمقت الصداقة بيني وبين ذلك الشاب الملتزم ,, حتى أنني تواجدت في منزله في نهاية ذلك الفصل رغم بعد المسافة بين منزلي ومنزله التي تقدر بأكثر من 25 كم .

في تواجدي الأول في ذلك المنزل كانت السعادة تغمر صديقي على تلبيتي لدعوته وتناول العشاء في منزله ,, شعرت بالراحة في منزله وكأنني في منزلي .

وفي أول أجازة دراسية افتقدت لصوت ذلك الصديق ,, الذي لم أحادثه منذ أيام بسبب تواجده في جنوب المملكة رفقة أهله وذويه ,, قمت بالاتصال عليه ,, ولا أنسى أنني حادثته في ذلك المساء على هاتفي المحمول في أطول محادثه هاتفيه عرفها تاريخي لمدة تجاوزت الساعتين .

مرت الأسابيع والشهور على معرفتي بذلك الملتزم ,, وكانت العلاقة في تزايد مستمر .

في الفصل الدراسي الخامس كان صديقي الملتزم يقوم بالتطبيق العملي في إحدى الشركات ,, بينما كان من المفترض علي إن أقوم بإعادة دراسة بعض المواد التي رسبت فيها في الفصل الدراسي الرابع .
في تلك الفترة كنت لا أملك سيارة بسبب التلف الذي حدث لسيارتي بعد حادث شنيع وقع في تلك الأيام ,, وكانت حالتي المادية غير مهيأة جداُ لتحمل مصاريف الوجبات و أجرة التاكسي الذي سيقلني من وإلى المنزل .

لذلك اتخذت قرار بعدم دراسة ذلك الفصل الدراسي ,, وتأجيله حتى تتحسن الأمور والأوضاع لدي .
بعدما علم صديقي الملتزم بما نويت فعله ,, حاول أن يثني قراري بتأجيل دراسة المواد التي رسبت فيها ,, حاولت إقناعه ولكنني فشلت بعدما قال لي بالحرف ( أنت أدرس هذا الفصل وأنا راح أتكفل بتوصيلك من والى البيت )

لم يكن بوسعي أن أرفض لصديقي المتلزم أي طلب ,, خصوصاُ أنه هذا الطلب يعتبر الطلب الأول منه لي .

في ذلك الصيف شديد الحرارة كنت أتألم كثيراُ وأنا أرى صديقي ينتظرني بسيارته القديمة أمام مخرج الكلية والعرق يتصبب من جبينه وذلك لأن التكييف في سيارته معطل .

كانت محاضراتي تنتهي في تمام الساعه الثالثة والنصف ,, وكانت فترة تطبيق صديقي تنتهي في تمام الساعة الثانية والنصف ظهراُ ,, لذلك كان يقضي ما يقارب 30 دقيقه بانتظاري في ذلك الحر الشديد .

لم ينتهي جميله عند ذلك الحد يا بني ,, بل أنه كان يتواجد في كل صباح في تمام الساعة التاسعة صباحاً ليقلني لكي نذهب للإفطار سوية ,, رغم بعد المسافة بين الشركة التي يطبق فيها بشكل عملي ,, وبين مقر الكلية التي كنت أدرس فيها .

سوف أكذب أن قلت بأنني اجتهدت في ذلك الفصل الدراسي من أجل نفسي ومن أجل مستقبلي ,, لأنني كنت أبذل قصارى جهدي في التعلم والمذاكرة بمجرد مرور منظر صديقي وهو مستلقي في سيارته ظهراُ والعرق يتصبب من جبينه .

نعم يا بني ,, والدك درس ثلاثة فصول دراسية من أجل مستقبله ,, وفصل دراسي رابع من أجل صديقه الذي كان يكرهه .

لذلك الصديق وقفات كثر ,, في الضيق أجد نفسي أحادثه ليواسيني ,, وفي وقت الغضب أجد نفسي أحادثه أيضاُ ليخفف غضبي ,, وفي وقت المشاكل والمصائب أجد نفسي أحادثه لأخذ آراءه والاستماع لحلوله ,, وفي وقت الحاجة المادية كنت لا أتردد في طلب السلف والعون منه .

يعلم الله يا بني أن ذلك الصديق لم يرد والدك في أي طلب طلبه منه ,, إلا في ما كان لا يرضي الله ولا رسوله .
يعلم الله يا بني أنني لو خيرت بين شهادة الكلية التي أمضيت فيها قرابة أربع سنوات من عمري ,, لو خيرت بينها وبين صداقة ذلك الشاب لاخترت صداقته ولأمسكت بالشهادة وقمت بإحراقها في سبيل استمرار صداقتي مع ذلك الشاب .
يعلم الله يا بني أن الرب وهبك عماُ لم تلده جدتك وهو ذلك الشاب الذي يدعى بمساعد الغامدي
 .


ذلك الشاب الوحيد الذي أجبرني على التمرد على مشاعري وحيائي عندما قلت له عندما أوصلني للمستشفى لأجراء عملية خطيرة جداُ ,, قلت له بلساني (( أنت أخوي اللي ما جابته أمي ,, والله لو لي عمر ثاني ,, والله لأعيشك مرتين )) قلتها له بلساني ,, ودموعي التي كانت تطل من نافذة عيني هي شواهد على حقيقة تلك الكلمات التي خرجت من القلب .


لذلك يا بني أحرص على الصحبة الصالحة وحاول أن تتمسك بها أشد التمسك ,, فقد يرزقك الرب بصديق يكون لك بمثابة الأخ التي لم تلده أمك .

لذلك أعلم يا بني بأن الحب يكمن في الصداقة ,, فالزوج لا يمكن أن يحب زوجته بدون أن يكون صديقها وتكون صديقته ,, والابن لا يمكن أن يحب والده دون أن يكون والده هو صديقه ,, وكذلك البنت ووالدتها وقس على ذلك باقي العلاقات .

لذلك يا بني عندما تسمعني أناديك يا صديقي فأعلم بأنني أقول لك يا حبيبي ,, لأن الصداقة باختصار هي الحب بالنسبة إلي .

لذلك يا بني ,, لا تحكم على الناس من مظاهرهم ,, لأن حكمك نهايته الفشل الذريع ,, فكم من قصر يطارد أصحابه الهم والتشتت ,, وكم من خيمة وبيت صغير يوجد بداخله السعادة والحب .

لا تظلم شخص بسبب مظهره أو نسبه أو حالته المادية,, وتأكد بأنه حتماُ يوجد قاسم مشترك بينك وبين أكثر الناس اختلافا معك في الرأي والمعتقد .


أتمنى يا بني أن يرزق الله صديقي مساعد دوام الصحة والعافية ,, حتى تتعرف عليه وتلتقي به ,, وتعلم مدى روعة ونبل ذلك الإنسان .
سوف تتأكد يا بني أن الله يحب والدك كثيراُ ,, لذلك أختار له مرافقة ذلك الصديق ,, وتأكد بأن والدك محظوظ في معرفة الكثير من الأصدقاء المتميزين والرائعين .

لا تغرك لحية توجد على محيا شخص ما << أكتب هذه الكلمات وأنا أتذكر ذلك الشخص الملتحي الذي سمعته يتفوه بكلمات تغزل لأحدى الفتيات في احد المجمعات قبل ايام مضت  ,, ولا تغرك أبتسامه زرعت على محيا جميل قد يكون يحمل الآلام بداخله ,, أو قد يخفي وراء تلك الأبتسامه نوايا خبيثة لك ,, ولا تغرك سيجارة أبتلى بها شخص طيب القلب وصافي النوايا لم تسعفه عزيمته على الأقلاع عن التدخين .

لا يغرك أي شيء يا بني ,, عاشر الناس قبل أن تطلق أحكامك عليهم ,, فليس كل ما يلمع ذهباُ ,, وليس كل قطعه سوداء فحماُ ,, قد تكون تلك القطعه حجراُ كريماُ .

ولذلك قال الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام هذا الحديث في اثر الصديق الصالح ((“إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما ان تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم”))

ولذلك قال احد الشعراء هذه الكلمات في الصداقة (( صديقي الي لاحضر مانمله ... وغيابه يضيق علينا الوسيعه
شوفه يداوي القلب من كل عله ... وبعده يضر القب مانستطيعه
له منزل بالقلب محدٍ وصل له ... محبة في الله رب الشريعة
لا غاب مابه من يحل بمحله .. الخلق طيب والمنازل رفيعه
 ))
القصيدة يوتيوب

ولذلك قال الشاعر صالح الشادي : لي مبادي ..
وصاحبي .. لوجار منه الجور .. عادي
وصاحبي .. لو هو قتل ذكراي .. عادي
وصاحبي .. لو هو بِخل بِرضاي .. عادي
وصاحبي ..
يبقى العزيز الناصع اللي له ودادي

ودام أنا ستره وثوبه ..
صاحبي .. ما أقول : عنه أبداً ، وتوبه ..
يا هلا به ..
وبعيوبه ..
وبذنوبه ..
يا هلا .
إن وصلني .. ياهلا .
وإن قطعني .. يا هلا .
صاحبي وإلا فلا .
والغلا نعمة كريم ..
وساقها لكلّ الملا 
.))

أخيراُ أحمد الله الذي رزقني بصحبة ذلك الشاب والذي أضيفه الى قائمة الأخوة التي لم تلدهم أمي بالأضافة الى سلطان الرويلي وباقي الاصدقاء .
كذلك اخيراُ سوف أدعي لك الله يا بني أن يرزقك بالصحبة والأصدقاء الأخيار ,, وبأذن الله سوف أكون حريص على ذلك قدر استطاعتي .













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق